في البحث عن إبراز الأهمية التاريخية لمنطقة مصر القديمة والفسطاط؛ كان هذا الحوار مع أحد القامات البارزة في مجال الآثار والتراث؛ إنه د. مصطفى صبحي، مدير عام آثار مصر القديمة والفسطاط، لنتناول معه بعض النقاط المهمة حول أهمية الآثار الإسلامية في منطقة مصر القديمة.. وإلى نصّ الحوار:
* كيف تتعاملون مع التعديات المستمرة على الآثار الإسلامية؟
– بالفعل هناك نوعان من التعديات التي تتعرض لها الآثار الإسلامية؛ الأولى تتمثل في التعدي المباشر على الأثر نفسه؛ والثانية تقع على حدود الحرم الأثري، سواء من قِبل المواطنين أم من خلال إشغالات تجارية أو مبانٍ سكنية تُقام بغرض تحقيق مكسب مادي.. والقانون المصري لحماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 (وتعديلاته) يتضمن نصوصًا واضحة وصارمة لمواجهة هذه التعديات؛ حيث يُحدد الإجراءات القانونية التي يجب اتخاذها ضد أي جهة أو فرد يعتدي على الأثر أو حرم الأثر. من ضمن هذه الإجراءات تحرير محاضر فورية لإزالة التعديات، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة.
تسجيل الأثر
* ما الفرق بين الأثر الإسلامي والأثر الحضاري؟
– الأثر الإسلامي يُشترط فيه أن يكون قد مرَّ عليه أكثر من 100 عام، إلى جانب تميّزه من الناحية المعمارية والتاريخية. وفي بعض الحالات، يُمكن تسجيل الأثر حتى لو لم يمر عليه 100 عام، إذا توافرت به مواصفات معمارية أو فنية خاصة تؤهله لذلك.. أما المباني ذات الطابع الحضاري، فهي قد تقع في مناطق راقية أو قديمة، لكنها ليست مُسجلة كآثار إسلامية أو قبطية، ولا تخضع لإشراف وزارة الآثار، لكنها تظل ذات قيمة عمرانية وثقافية.
* هل المساجد المرتبطة بأولياء الله الصالحين في مصر القديمة تخضع فقط لإشراف وزارة الآثار، أم أن هناك جهات أخرى تشارك في الإشراف؟
– الإشراف على المساجد والأماكن الدينية الأثرية يتم بالتعاون بين أكثر من جهة؛ حيث تختلف الجهة المالكة من أثر لآخر، فهناك مساجد تتبع وزارة الأوقاف، وأخرى تتبع هيئة الأوقاف؛ إلى جانب أماكن دينية أخرى تتبع هيئات دينية مثل الكنيسة القبطية أو الطائفة اليهودية.. ووفقًا للمادة 30 من قانون حماية الآثار، فإن الجهة المالكة للمبنى هي التي تتحمل تكاليف الترميم والمشروعات الخاصة به، وذلك تحت إشراف وزارة الآثار من الناحية الأثرية والفنية؛ لذا، في منطقة مثل مصر القديمة، التي تضم مجمع الأديان، توجد مواقع أثرية تعود ملكيتها للأوقاف القبطية، وتخضع جميعها لإشراف أثري دقيق من قبل الوزارة.
توثيق الترميم
* كيف يتم التوثيق العلمي والتاريخي لمساجد الأولياء، خاصة مع تعدد الروايات الشعبية حولهم؟
– يتم التوثيق من خلال عدة مراحل دقيقة تسبق أي عملية ترميم. في البداية، يُنفذ توثيق فوتوغرافي شامل للمسجد من جميع الزوايا؛ بالإضافة إلى التوثيق المعماري الذي يشمل تفاصيل العناصر الإنشائية والزخرفية.. ونقوم بتصوير التلفيات الموجودة في العناصر المختلفة مثل الجدران، الألوان، الأخشاب، والغرف، لتكون مرجعًا بعد انتهاء الترميم. التوثيق يتم على ثلاث مراحل: قبل، أثناء، وبعد الترميم، لنتمكن من مقارنة الحالة الأصلية بالنتائج النهائية. هذا النوع من التوثيق ضروري لفهم التغيرات التي حدثت، مثل ترميم شروخ أو إعادة بناء عناصر مفقودة.
* كيف يميز الزائر بين المسجد الأثري والمسجد الحديث؟
– المساجد الأثرية عادةً ما تُبنى وفق طُرز معمارية قديمة مثل الفاطمي، المملوكي، أو العثماني، وتتميز بزخارف ونقوش حجرية، أقواس مزخرفة، ومآذن ذات طابع تاريخي.. كما تحتوي على كتابات قرآنية بخطوط عربية تراثية وزخارف هندسية أو نباتية دقيقة.. أما المساجد الحديثة، فتتسم بتصاميم معاصرة أكثر بساطة، وتُستخدم فيها مواد حديثة مثل الزجاج والحديد، وتكون الزخارف فيها أقل أو أكثر بساطة مقارنة بالأثرية.
التحديات البيئية
* ما هي التحديات البيئية التي تواجه فرق الترميم؟
– تواجه فرق الترميم العديد من التحديات البيئية، خاصةً أن أغلب المساجد الأثرية تقع في مناطق شعبية مثل السيدة زينب والخليفة، وهي مناطق تؤثر سلبًا على بيئة العمل.. ومن أبرز التحديات أيضًا: ضيق الوقت، حيث تُطلب أحيانًا إنجازات سريعة لا تتناسب مع حساسية العمل الأثري؛ ونقص الاعتمادات المالية اللازمة؛ دخول أماكن مهجورة منذ سنوات، مما يعرض الفريق لمواقف غير متوقعة مثل وجود حشرات أو زواحف؛ كل هذه الظروف تُعد تحديات يومية يجب التعامل معها بحذر وخبرة.
في ختام هذا الحوار الثري مع الأستاذ مصطفى صبحي، مدير عام آثار مصر القديمة، نُدرك حجم التحديات التي تواجه حماية التراث الإسلامي في قلب القاهرة التاريخية، من التعديات المستمرة إلى التحديات البيئية والمالية، يظل الحفاظ على هذه الكنوز مسئولية مشتركة تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع؛ ونُثمّن الجهود المبذولة في التوثيق والترميم، وندعو إلى مزيد من الوعي والدعم لضمان بقاء هذا التراث حيًّا للأجيال القادمة.
65